تعد رواية واسني الاعرج” شرفات بحر الشمال” من بين الروايات التي تجمع بين الحس التاريخي في علاقته بالذات الكاتبة. ما أثرنا في هذه الرواية هو اعتماد الكاتب في كتابته للرواية على مفهوم الذاكرة باعتبارها الاداة الفاعلة في تمكين واسيني من فعل الكتابة، حيث يجد القارئ نفسه في كثير من المقاطع أمام مفهومين أساسين في هذه الرواية.
مفهوم الذاكرة:
لاشك أن القارئ لرواية شرفات بحر الشمال سيصادف في عدة مناسبات مفهوم الذاكرة، هذا المفهوم الذي يسبح بالذات ياسين في عمق التاريخ، التاريخ الجزائري الذي يعود الى زمن الحرب وما بعده، بحيث تتذكر الذات الفاعلة موضوع القيمة التي كانت تسعى إليه مجموعة من الذوات التي كانت تعد ذوات المقاومة، من بينها والد ياسين، العم غانم واخ ياسين المحب للموسيقى. بيد أن طبيعة الواقع والمطامح الاجنبية والداخلية جعلت من هذا الحلم القريب والمتوقع بالنسبة لهؤلاء ” المقاومين” حلما يجرهم إلى عالم الموت والنسيان.
هكذا يمكن القول؛ أن مفهوم الذاكرة كان عاملا أساسيا في حث الذات الفاعلة في عدة مناسبات على الهروب من الماضي التي يعيد إليه سراب الوطن الضائع، الوطن الذي كان سيكون أفضل مما هو عليه، إلا أن الخونة حولوه بعد اغتيال رجال المقاومة الحقيقين الى مجرد ذكرى، و من الابطال مجرد حمقى يعبرون الشوراع.
هكذا فإن هذا المفهوم الذي يساعد الذات الفاعلة على الهروب من الماضي والهجرة إلى أبعد نقطة في العالم يحيل على مفهوم مركزي في الرواية وهو تيمة النسيان.
مفهوم النسيان:
إذا كانت تيمة الذاكرة تحمل في عمقها حب الوطن الضائع وذكرى الاب والعم وباقي الشهداء الذين تم محو تاريخهم النضالي، فان النسيان كان يعيد للذات الفاعلة مجموعة من اللحظات السرمية التي ظلت تلازمه طيلة ثلاثين عاما، ذكرى نرجس الذي أحبها وهو لا يزال في الابتدائي ورسائله الالف التي لا يزال يحتفظ بكثير منها.
فكلما حاولت الذات الابتعاد والهروب من كل التفاصيل التي تعيد له الماضي كلما صادف فتنة التي علمته معنى الحب واللذة، ” تلك المهبولة على حد تعبير الذات ياسين التي تعرف كيف توقظ شهوة الرجال”
وبهذا المعنى؛ يكون مفهوم النسيان بمثابة العامل أو الباعث للمشاعر الدفينة داخل الذات ياسين، كما أنه مفهوم يحيل على عكس ما يحيل عليه الدال، حيث كلما صادفنا مفهوم النسيان الا وعادت بنا الذات الفاعلة إلى عالم المغامرات الايروسية التي عاشها في طفولته مع حب بعيد المنال” الصحفية نرجس” أو الحب في سن المراهقة مع فتنة التي حركت فيه الساكن وعلمته معنى الجنس.
أخيرا؛ يكمن القول على أن الرواية في كليتها اعتمدت على تيمتين أساسيتين؛ الذاكرة باعتبارها مؤشر على جزء من التاريخ الجزائري في مرحلة تاريخية محددة، وتيمة النسيان التي تخص ذات الكاتب باعتباره جزء من هذا التاريخ التي قدمه للقارئ في قالب فني رائع يسبح به في عالم الاحاسيس الممزوج بلحظات تاريخية ظلت عالقة في الذاكرة الجمعية للفرد الجزائري.
.
.
احمد شعبان… طالب باحث. مدينة جرسيف.
اترك تعليقا