أتيت للحياة ، ولم تعجبني منذ بداياتي الأولى . حينما أرى الناس يتعذبون ، أو فرحون أكثر من اللازم ، يغضبني ذلك . أفكر في شيء خارج الحياة ، أو ما بعدها . لم أفرح بشيء ، سواء بهدايا الأقارب ، ولا بما حققته ، ولا بأسفاري اللامتناهية ، سفري لم يكن تخفيفا على ما يجعلني حزينا ، بل كان دائما يضيف لي أحزانا أخرى . الناس في مدن العالم ، يعيشون حياة غريبة مليئة بالسعادة ، وفي مدن أخرى يعيشون الحزن والعذاب . لم أعرف ماذا أفعل ، أتغلب على الحزن فأفرح ، أم أحزن ! ، مشاعري تتناقض من حين لآخر .
فكرت كثيرا في معنى الحياة ، ولم أصل لأي شيء ، يحدد معناها . الحياة فيها الكثير من المعاني . الحياة ليس هي تلك التي يوجد فيها الفرح ، وإنما حتى الحياة التي يوجد فيها الحزن ، والمآسي . الفرح لا يخلق معنا ، ولا الحزن . بل نحن نصنعهما ، ويصيبوننا . بدا لي أنه لا حياة بدون فرح ، ولا حياة بدون حزن . كلاهما يشكلان معنى للحياة ، والإنسان يحركه أكثر الحزن ، ليبحث له عن مخرج ، أو عن سعادة أكثر ، لا متناهية .
عبرت وحدي شارع مدينة ، قدمت لها منذ عهد قريب . الناس يتكلمون لغة ، غير لغتي . بحثت عن مقهى أجلس فيه ، وأقي جسدي من الأمطار الغزيرة . كل الذين يمضون بجانبي ، لا يتوقفون إلي ، يواصلون سيرهم ، ليصلوا إلى حيث يريدون . ربما أناس هذه المدينة تقدموا قليلا ، ولا يشبهون أناس مدينتي . لا يتدخلون في شؤونك ، ولا يهمهم من تكون . رأيت فتاة تمشي وحدها ببطء ، وفي بعض اللحظات ، تتوقف ، ثم ترقص قليلا ، وتمضي . حينما رأتني ، غيرت نظراتها نحو اتجاه آخر ، ولم تهتم بي . إعتبرتني موجودا وغير موجود ، وجودي لا يهمها ، وربما لا يهمها أحد ، سوى نفسها . أشرت لها بيدي ، فحصت ثيابي ووجهي ، ثم ابتسمت ، واتجهت نحوي ، سلمت علي ، وسلمت عليها . سألتها :
-أتوجد هنا مقهى قريبة ؟
إبتسمت أكثر ، ثم قالت :
-لا
ثم سألتني :
– ألست من هنا ، ومن تكون أنت ؟
شعرت بالحرج قليلا . دائما ما كنت أضيق من هذا السؤال ، حينما يسألني الناس ، أو حينما أسألني أنا . فكرت قليلا ، وابتسمت أقل ، ثم أجبتها :
-أنا لست من هنا ، لقد جئت من بلاد ميتة ، لا توجد فيها الحياة . أما سؤالك حول من أكون ، فأنا لست شيئا ، سوى عابر سبيل . يبحث عن حياة أخرى ، خارج هذه الحياة .
إلياس الخطابي – مدينة الحسيمة
اترك تعليقا