… انتهى إلى مسمعي أن مولده كان في فصل الصيف، في يوم حرارته مرتفعة، ففي ساعة متأخرة من الليل، استبشرت أمه المسكينة بقدومه، قالت فطومة-المرأة القابلة -إنه ذكر نعم ذكر، وليس الذكر كالأنثى في عادة أهل البلد، فطومة امرأة طاعنة في السن كانت تقدم العون لأغلب نساء البلدة أثناء الوضع حتى صارت تنادى بماما فطومة؛
صوت “ماما” من الأصوات التي كانت تراود تلك الأم لزمن طويل إلى أن هل هلال طفلها أخيرا، لقد جاء إلى الدنيا يبكي بكاء شديدا وكأنه يعرف–منذ ذلك الوقت-أن الواقع الذي سيقبل عليه مر أجاج، لم تكرث القابلة إلى بكائه لأنها على دراية تامة-بحكم تجربتها التي دامت لسنوات-أنه بكاء طبيعي يعيشه كل مولود زمن ولادته، ولكن انبهرت للفرحة العارمة التي غمرت الأم رغم الآلام التي كادت أن تودي بحياتها جراء المخاض العسير، وقبله هموم البيت ومتاعبه، ورغبات الزوج والأبناء الذكور والإناث، وهلم جر من الأمور..
لقد كانت امرأة قوية الشخصية، رهيفة القلب، بيضاء الوجه، معتدلة القامة، أنيقة الملبس، شديدة الحرص على نظافتها ونظافة بيتها المتواضع.. ذلك البيت المبني من الطين والطوب.. بيت مكون من دور سفلي به غرفتان مظلمتان لا تصلحان سوى لتخزين التمر وحبوب الشعير أو القمح إن وجد، وبعض الأغراض البالية، والآخر علوي به ثلاث غرف تقليدية البناء، إذ تخصص واحدة للضيافة تسمى “المصرية”؛ وهي مكان ولادتي حينها، لها نافدتان مطلتان على زقاق يسمى “درب الشيخ” بجانب الضريح مباشرة، وحمام ومطبخ تقليدي صغير يسمى “الحَنِيَّة” فيه فرن طيني دائري الشكل يسمونه “الكوشة” وأشكال هندسية أخرى تستخدم لتسخين الماء وطهي الطعام..، وكلها أشياء كانت تفي بالغرض آنذاك.
لقد هُتف بخبر ولادته إلى أبيه من قِبَل إحدى أخواته، استبشر الأب، وحمد الله حمد الشاكرين.. ثم أسرع ليؤذن في أذنه وفق ما نص به الشرع الإسلامي.. مرت سبعة أيام وأقيم فيها حفل عقيقة على شرفه قيل إنها كانت حديث الألسن في البلدة..
بلدة على شكل قصر محصن بأسوار عالية جدا، في زاوية كل سور برج يظهر شموخه من بعيد بكواته المختلفة الحجم الموزعة هنا وهناك، وبابه الخشبي الكبير الذي كان مُزيَّنا بقفل هو الأخر من خشب، ومسامير محدبة ضخمة مشمولة بأردية الشمس الحارقة التي جعلت الباب بما فيه يشهد على حقبة ما قبل وأثناء تواجد الاستعمار الفرنسي على المغرب، حيث انتشر حينها وباؤه في كل بقاع المعمور، اللهم بعض الأماكن المحسوبة على رؤوس الأصابع، مثل هذه البلدة بحسب ما جاء في المصادر التاريخية التي لا تعدوا عن أن تكون شفاهية فقط باح بها أولئك الأجداد الذين قضوا نحبهم وظل يرددها من بقي ينتظر النحب، لكن على حسب علمنا ما بدلوا -في ما وصل إليهم من أخبار-تبديلا.
هي بلدة تتوسطها عدة معالم أثرية عريقة تجسد عبق الحضارة وفن المعمار الدال على إرث الماضي، لعل من بينها؛ ذلك المسجد العتيق بصومعته التي لا يتجاوز طولها طول الأبراج، مسجد لم يعد كما كان في السابق، فقد بني من جديد بالحديد والإسمنت، ووسّعت مساحته رغم قلة المصلين، كما تمت هيكلة كل ما يحيط به..
بلطت الساحة المفضية لباب القصر بالخرسانة، وبني البئر بالحجر الصلب بالرغم من أن ماءه كان ولا يزال ملحا أجاجا، لكنه كان يفي بالغرض ويؤدي دور النظافة والوضوء والسقي، وكان للحمير والبغال-وغيرهما من الحيوانات-منها شرب معلوم فقد خصص لها صهريج صغير على شكل خزان يجمع فيه الماء..
وبجانب البئر كانت توجد قبب على شكل أقواس تختصر الطريق على المصلين المغادرين من المسجد المتجهين صوب بيوتهم داخل القصر، لكن لم تعد هذه القبب فقد تحولت إلى مقر لكتاب تحفيظ القرآن الكريم تكلف ببنائه شخص يدعي أن جده مدفون في تلك البلدة في ذلك الضريح الذي ضربت عليه قبة ضخمة مبينة بالطين والطوب، مزينة بالقرمود الأخضر الناصع في الواجهة الأمامية، وفي جنباته قبور متعددة قيل إنها تعود لأبناء الولي الصالح “سيدي بوبكر” صاحب البركة الذي جعل البلدة زاوية سميت باسمه..
إنها البلدة التي كان الناس يحجون إليها من كل حدب وصوب حاملين معهم الهدايا والشموع قصد التبرك وقضاء الحاجة ظنا منهم أن الولي الصالح له يد في الشفاء وحل الكروب، لقد تم ترميم مقره هو الآخر من قبل ذلك الرجل الذي جاء من أقصى الأرض، لا يعرف عنه أحد شيئا إلا اسمه، وما ذاع عنه من إشاعات تقول أنه كان مسؤولا كبيرا في الدولة، أو تلك التي تقول بأنه طبيب كبير يمتلك مصحة ضخمة
ربما ما قيل عنه صحيح، لأنه تبين فيما بعد أنه ميسور الحال، خاصة يوم أتم ترميم الضريح وبناء ما هدم منه، فقد أقام حفل عشاء كبير في مقره على شرف ساكنة البلدة وزوارها من الفقهاء وأصحاب المديح والحضرة وأتباع دلائل الخيرات الذين أحيوا ليلة روحانية لم يسبق للبلدة أن رأت مثلها بحسب ما أقرت به الساكنة رجالا ونساء..
لم يكتفي بإعداد وجبة العشاء فقط، بل أغدق على الكل بمال وفير لم يستثنى منه أحد؛ رجلا كان أو امرأة، صغيرا أو كبيرا، حتى الرضع، الكل نال نصيبه تلك الليلة التي ظلت راسخة في أذهان الساكنة ولم تفارق مخيلاتهم إلى أن أقيم حفل آخر، وإن كان لا يشبهه إلا في القليل من الأمور..
لقد نال الضريح نصيبه من الترميم وبني الكُتَّاب، وأعطيت هبات مالية لكل من سُجل فيه بما فيهم الفقيه، فقيه رجل كهل صاحب لحية خفيفة الشعر وقامة متوسطة، لقد كان ذكيا جدا والكل يحسبه كذلك لانفتاحه واحتوائه لكل شباب البلدة..
ظل الحال على ما هو عليه، ولم يعرف أحد نية ذلك الرجل المعطاء، وإن كانت أقاويل في صفوف الشباب تدعي أنه ضحك على سكان البلدة بما فيهم مقدم الضريح، وأخذ الكنز المدفون هناك بدليل أنه أحدث ثقبا في السور الخلفي للضريح المفضي إلى ما وراء سور البلدة العظيم بجانب مقبرة مهجورة لم يعد فيها سوى بعض القبور التي كانت محاطة ببناية تحفظها من عوامل المناخ، ومن أبرزها قبر لامرأة تسمى “لالة مسعودة” امرأة دفنت هناك منذ القدم.. لقد كان سكان البلدة الأوائل يتبركون بقبرها ويقدمون لها الهدايا التي لم تكن سوى شموع ومناديل وأثواب بالية وآنية قديمة من فخار وغيره، كانت توضع على ظهر القبر، بل كانت هي من تجعل القبر بارزا من بعيد..
أبراج عالية بعلو جهل الساكنة آنذاك، كانت تؤدي دور المراقبة زمن الاستعمار على المغرب، وكانت تمتاز بها كل القصور المتواجدة في المنطقة البائسة، ذلك البؤس الذي خلفه المحتل وزاد من ضراوته ندرة الماء الذي جعل الكثيرين يهاجرون إلى المدن بحثا عن لقمة العيش تاركين وراءهم عالما مظلما ينتظر قبسا من نور..
وبين أسوار البلدة أناس تجمع الكثير منهم رابطة القرابة أو المجاورة، فالكل جار للكل، وإن كانت تغلب عليهم النزعة العنصرية والعرقية التي جعلت الأهالي ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: قسم يدعي أنه ينتسب إلى آل بيت النبي الكريم وقسم يكنى بالحر الأول-وغالبا ما يمتاز بالبشرة البيضاء ونوع من التكبر والعنجهية إلا من رحم الله طبعا، وأما القسم الثالث؛ فيعرف بالحر الثاني هو صاحب البشرة السمراء، وقد عرف بالعمل والكد من أجل لقمة العيش ضاربا عرض الحائط ما يقال عنه ويحكى..
ألقاب جعلت كل البلدان التي تدخل في حاضرة الإقليم يعيشون في تفرقة لمدة طويلة من الزمن، إنها سياسة فرق تسد، سياسة جعلت الشخص فلان ينادي الآخر بالحر الأول أو الحر الثاني، والمعيار في ذلك لون البشرة، لقد شملت النزعة العنصرية أمواتهم أيضا، إذ جعلوا من المقبرة أجزاء، جزء لهذا وجزء لذاك.. ذلك قانونهم السائد في ذلك الزمن، لا حكم للدين ولا للشريعة إلا في الصلاة المكتوبة والصوم وبعض الفرائض الأخرى.. لقد كان حكمهم عادات وتقاليد وأعراف، ونظام العشيرة، هو القانون الذي يمكن الاحتكام إليه..
بكاء بأعلى الصوت ينذر بوقوع أمر جلل، ذلك الأمر الذي لم يكن في الحسبان، لقد أصيبت الأم “حليمة” بمرض عضال يوم عقيقته، ذلك اليوم المشهود الذي حضر فيه القاصي والداني، انتهى حفل العقيقة وتم اختيار اسم للمولود الجديد، بل قل اسمين مختلفين، الأول رسمي به يعرف قانونيا وإداريا، لا أدري من اختاره، والثاني؛ اسم اختاره له والده كان اسما يحمل من القدسية والجلال ما يحمل لارتباطه بكل من زار بيت الله الحرام، وربما كان اختياره لأن والده أراد لاسمه أن يبقى حيا بحياته بعده،
ظلت الأم المسكينة تعاني جراء المرض مدة من الزمن، لازمت على إثره الفراش طوال أشهر بأيامها ولياليها إلى أن باغتها مفرق الجماعات، إنه الموت الذي طرق الباب ودخل البيت دون استئذان، وتلك عادته، عادة ألفها الناس صغارا وكبارا نساء ورجالا، بل ألفها حتى من لم ير نور الدنيا قطعا، إذ لا يستثنى أحد كما لم تستثنى الأم حليمة رغم أنه كان لا أزال في مرحلة الرضاعة التي لم تكتمل ولم تقارب حتى ما نص عليه القرآن الكريم في آياته؛ عامين كاملين؛ لمن أراد أن يتم الرضاعة، إلا أن رضاعته لم تقارب نصف العام..
بقي وحيدا بلا أم، لقد ذهبت وذهب معها السند، فلم تخلف وراءها ولو صورة للذكرى فقط الاسم لا شيء سواه؛ “حليمة” المرأة التي ذاقت مرارة المرض ولم تحض بفرصة سماع كلمة أمي من رضيعها، لم تكتب له فرصة رؤيتها، اللهم ما تنسمه من رائحتها الزكية التي والتي ظلت تغمره طوال حياته..، ولكن هيهات هيهات فلا الرائحة تغني ولا الصورة تغني.. لقد خيمت الوحدة عليه بل على البيت كله، فالأب صار وحيدا بفقد ركن من أركان بيته الذي لا يمكن أن يعوض مثله مهما فعل. والأبناء فقدوا مصدر الدفء والحنان..
تكاثرت الهموم في البيت، وكثرت التساؤلات عن مصير ذلك الطفل، كيف سيعيش؟، وأين؟ ومع من؟، وهو في حاجة ماسة إلى حضن دافئ.. حضن لا يمكن لأخواته الصغيرات أن يوفرنه له، كما لا يمكن أن يجده عند زوجة أخيه الأكبر بنفس الشروط المطلوبة رغم جهدها المتواصل في ذلك..
الرضيع يحتاج لحليب يروي عطشه ويسد رمقه ويقوي عوده، ولا وجود لأي شيء من ذلك كله، يمر الوقت وحالته تتدهور وجسمه يزداد نحافة يوما بعد يوم، إلى أن جاء القرار الحاسم من أبيه، بل هي قرارات مختلفة منها ما يتعلق بالرضاعة، ومنها ما يتعلق بتربيته، لقد قرر الوالد شراء ماعزة تذر حليبا قد تمكنه من سد الرمق وإطفاء العطش، وبذلك يمكنها أن تخفف معاناته ولو قليلا..
جيء بالماعزة السوداء اللون المخلل ببعض الشعيرات البيضاء، اشتراها والده من السوق الأسبوعي، ذلك السوق الذي يعتبر من أكبر الأسواق في المنطقة توجد به أربعة أبواب كل باب يحمل اسما يفضي بك إلى ناحية من النواحي، كما توجد به أسوار عالية محصنة كالقصر تماما، وأنت تتجول فيه تجد بائعي التمور هنا وأصحاب اللحم هناك، وبائعي الخضر والفواكه في الناحية الأخرى، كما قد خصص مكانا للصناع التقليدين وبيع الأثريات، ورحبات لبيع الأعشاب الطبية، وبيع الحبوب، والملابس والأحذية، وكل المستلزمات التي يحتاجها الزوار والساكنة، إنه منظم بشكل هندسي عجيب يجذب السياح الأجانب منهم خاصة، الذين يأتون إليه من دول غربية كثيرة تختلف جنسياتهم ولغاتهم ولون بشرتهم..
بجنبات هذا السوق مجموعة من البنايات أهمها مكان بيع الماشية والأبقار المسمى بالرحبة، ومكان آخر عبارة عن مربض للحمير والبغال يديره مولاي الحبيب، ذلك الرجل الطاعن في السن الذي تغير لون بشرته جراء تعرضه لأشعة الشمس كل يوم، كان يتقاضى مبلغا زهيدا مقابل حراسته للحمير والبغال لا يتعدى الخمسين سنتيما وقد تنقص-في كثير من الأحيان-عند البعض..
وصلت الماعزة إلى البيت أقصد إلى الزريبة حيث توجد الأغنام، لقد لقيت عناية واهتماما من طرف الكل، فالكل يزودها بالعشب والتبن والشمندر الممزوج بنخالة طحين الشعير، ظلت على هذا الحال تأخذ ما تتغذى به، وتعطي للرضيع حليبا ساخنا يرتوي به، بقي الحال على ما هو عليه حتى قيل إنها صارت تعرفه على بعد مسافات من خلال رائحته ربما، وكذلك قيل.
بينما كان الوالد يأخذ مضجعه للقيلولة لينام قليلا في وصيد الدار طرق عليه باب البيت من قبل امرأة جاءت لتطلب منه إرضاع ابنه، قبل الوالد طلبها، كانت امرأة قصيرة الطول يميل لون وجهها إلى السمرة قلما تراها بدون لباسها التقليدي ذلك المئزر الأسود المثقب الملفوف على جسمها النحيف المربوط بطوق أخضر ناصع يشد كثيرا من المفاتيح وكأنها تشرف على مخزن تغذية..
كانت امرأة تدعى “عزة ” كما كانت تحب أن تسمع من الناس، لم تكن الوحيدة التي طلبت إرضاع الطفل بل كثيرات هن النساء اللواتي طلبن ذلك لأنه كان ابن سيد القبلية وشيخها في ذلك الزمن، لقد حاولت النساء مرات ومرات دون جدوى، لكن لم تحض بإرضاع الطفل سوى “عزة” تلك التي آثرت بحليبها له وجعلته قسمة بينه وبين ابنتها..
سرعان ما جاء القرار الثاني الذي اعتبره الأب هو الصائب في نظره، رغم المعارضات التي أحس أنها قد تعرقل ما يصبو إليه وإن كانت غير ظاهرة، لكن تجاوز الأمر-كعادته-وأعلن عزمه ورغبته في الزواج، فكر وقرر بلا مشاورة أو أخذ إذن، ولمَ يأخذه..؟ وهو صاحب الحل والعقد في كل الأمور، فلا يتجلى حكمه في شؤون البيت فقط، بل على سائر من يقطن في البلدة، وكذلك كان قراره.
تزوج بامرأة ليست كالنساء طويلة القامة نحيفة الجسم غائرة العينين تدعى “فطومة” ليست القابلة ولكن امرأة أخرى تحمل نفس الاسم، كانت امرأة لها من الخصال الحميدة ما ينسي المرء تماما في معايير الجمال، وما ينسي المرء أيضا في تلك القولة المأثورة عند السلف بالعامية “عَمّرْ الربيب ما يكون حبيب” لقد كان الرضيع ربيبا لها حقا لكن كان حبيبها قولا منها وفعلا، فقد احتضنته وأدخلت على وجهه البشاشة والسرور، لقد كانت خلفا لأمه، بعثت في البيت روح الأمومة من جديد بعدما خرجت منذ أشهر خلت، وتمضي الأيام بساعاتها وأيامها، وما في هذا المضي سوى حزن آخر ينتظر الرضيع رغم أنه لم يميز بين الطالح والصالح في كل الأمور..
الموت مرة أخرى يدخل باب أسرته الصغيرة، ويخرج آخذا معه والده، ذلك الأب الذي لم يطل مكوثه في الفراش جراء المرض إلا أياما قليلة، مر كل يوم فيها بألف عام بالنسبة إليه، فهو يعرف أنه ميت لا محالة، لكن الأمر الذي كان يشغل تفكيره هو ابنه الصغير، ما مصيره؟ وكيف سيكون حاله بعد موته..؟ أسئلة أخرى ظلت تراوده إلى أن وافته المنية..
تبدد كل شيء ولم يعد الأب موجودا، ذلك الرجل الذي كان قوي الشخصية الصارم في الحق، الحكم العدل بين الناس.. لقد قيل إن تلك الصفات قد أخذها من أمه التي كانت امرأة بمائة رجل، كانت قوية الرأي والمشورة، لا تسكت عن ظلم، ولا تتكلم إلا بحكمة..
خصال ورثها منها وصار الآمر والناهي في أهل البلدة منذ ريعان شبابه إلى آخر لحظات حياته، حتى إنه كان يلقب ب “الشيخ” هذا اللقب الذي لا يعطى لأي كان، وإنما لمن يستحق، كان يسير شؤون البلدة تحت نظام القبيلة. كما كان يمثلها إداريا وقانونية بصفته المنتخب أو “القروي” وتلك مهمة تقلدها لمدة طويلة وبرضى الساكنة عن طريق الانتخابات المحلية التي لم تكن بالشكل الذي نراه الآن..
خيم الحزن على البلدة كما خيم على بيت الأسرة، ذهب ولم يخلف من وراءه إلا اسمه “الحاج محمد” لدرجة أن هذا الاسم بمجرد أن يذكر على رؤوس الأشهاد تتردد عبارة “كان رجلا لا كالرجال-رحمه الله-كان لا يسمح في حق بلده والبلدان المجاورة، كان يأخذه من فم السباع” لقد عاش طوال حياته متفانيا في عمله مخلصا لأهل بلدته، واقفا معهم-وقفة رجل واحد-في السراء والضراء..
إبراهيم الطاهري – بني ملال
اترك تعليقا