تعبت من نفسي التي تحاول رغما عنها إقناعي أن الاوضاع ستتغير، لم أخالفها يوما، كنت ذلك العبد الذي يطيع السيد مخافة التعرض للعقاب. عشت صراعا مريرا لسنوات طويلة محاولا إرضاء رغباتها الطفولية أملا في خلاص نهائي يحد من عذابي.
دائما ما كنت أسمع عن رحمة ربانية أكرم الرب بها البشر، رحمة النسيان، الرحمة التي تجدد خلايا النفس وتغسلها من كل الاورام التي سببها الدهر، الرحمة التي تعد مصلا لكل متجرع من علقم الحياة.
هذا ما كنت أنتظر حصوله في كل فصل من فصول حياتي، أن أستيقظ ذات صباح و أنسى أنني سعيد، أن أنسى أحلام التي كانت تنير حياتي، أن أنسى دراستي التي أضعتها في سبيل الفوز بها، أن تمحى الكلمات التي ترددت في عمق عقلي، ماتت أحلام.
عدت يا سادة إلى القرية من أجل النسيان ، عدت رغبة في التصالح مع المكان ونسيان ما حصل. عندما توقفت الشاحنة قبالة القرية وجدت صفا طويل من أهل القرية ينتظرون، ربما كانوا يتوقعون أن أسقط وأبدأ في البكاء كطفل صغير فقد أمه، كنت خائفا بدوري من خيانة جسدي وروحي، خائف من السقوط الذي لازمني طوال حياتي.
خطوت خطوتين إلى الامام لم أشعر بأي إحساس تجاه أهل القرية، كنت عاجزا عن الكلام وبدورهم لم يتقدموا من أجل إلقاء التحية أو الحديث عن أي شيء له علاقة بما حصل، مرت الدقائق بسرعة لم أتعرف فيها سوى على وجه سيدي علي البالغ من العمر خمسة وسبعون عاما، كانت عيناه تحاولان البوح بسر ما، لكن شفتاه بدأت ترتجف في مكانها.
ترك خلفه سراب با علي و عمي محمد وهو يسير تجاه القرية التي كانت تكسوها خضرة الربيع، فهذه اللحظة وبعيدا عن عيون القتلة و المتواطئين تذكر سعيد رائحة الحرمل التي كان يحبها لم يحس بنفسه حتى وجد الدموع تنهمر من عينيه، تذكر لعبة « تعالعالت» هو وأطفال القرية الذين كانوا يحلمون ببناء القصور من التراب وسط الحرمل، ثم ابتسم عندما تذكر كيف كان يتم تهديم القصور من طرف الطفل الذي يشخص دور الشرطي.
كانت من أجمل الالعاب التي يشترك فيها الذكور والاناث، لعبة تعالعالت التي تبعث روح الامل في نفوس أطفال القرية في فصل الربيع.
.
.
أحمد شعبان – مدينة جرسيف
اترك تعليقا