الجزء الثاني
ولا يزل حَوْل فراشك يتهادى مَوْت..
أتأمّلُ جبهتك؛ نوايْا خطوطُ ذنبٍ لم يتسنّى لها الوقت؛ لكىّ تحفر.. لا آثار تماسّ بالجسد البريء.. ولا لون دخيل بوردىّ اللحم البَضّ الطفولىّ الوديع..
غداً تحيا دون قَهْرٍ ولاذُلّ..
هناك حَيْث رحابة الدّوْحِ.. واتساع جَنان.. وفسيح رِيْاض بلاحدود..
دَيْمومةٌ.. منزوعٌ مِنْها أشدّ خَوْفٍ.. بلا تعب أرقّ.. ولا سيْاط قلقٍ؛ انتظار مَوْعد أحْلام عصيّة.. لا تجىء.. ولا رُعب مِنْ إفساد مُتعة.. ولا تلاطم حَسْرات عَجْزٍ مقدّر..
ولدى..
هناك.. لا مَعْنى للجُبْنِ.. لا قيمة للشّجاعة.. وتزدان بنقاء ورُقىّ وصالح ماخلفت لنا.. فأنا أنظرُ فى مِرْآة حَيْاتك ولا أجد فيها مايشوبها؛ إلا تشوّهات وَجْهى؛ وسط بَيْاض سريرتك..
ويوم يأمرُ الله لايتأخّر قطّ..
وتعصفُ بك رزق حُريّة.. ومِنْ سِجْن الدّنيا؛ فرحاً تفرُّ إلى برزخ المؤمنين.. فلم تَعُد تدفنُ خطواتك بمقبرة ذاتك؛ وأنت تحتقرُ وتسخرُ مِنْ وجودٍ متواضع.. مؤقت النشوة.. ومكنوب عليه الفناء..
ربّما حان الوقت لتنفُض عَنْ روحك طُغْيان شغف انتظار الصّباحِ.. وتلقى أسى يلتحفك كُلّ مساء.. وأنت تحلمُ بلقاء حبيبٍ؛ يغفرُ لمَن لَيْس للفردوسِ أهلاً.. وأوهن مِنْ أن يتحمّل عذابات دُنيا وآخرة.. ويشفعُ لك حِبّه محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلم.. ويوهب لك نور دائم من شروق حقيق حَيْاة..
ولدى..
وأقلّب سرجك الجميل أيّها المُهْر اليافع.. وأنم بجواره ذكرى أرضيّة.. عُمْر ثان.. ووجود آخر..
فابتسم.. ابتسم والمَوْت يَرُجّك.. يبغاك تنشدُ:
ـ أُرقص..
غَصْب عنّك.. أرقص؟
قل له فضلاً.. لا أمراً:
ـ لا..
لَنْ أرقُص..؟
فلم
لم تكُن أبداً ذئباً ليرتع بمَوْتَك غنم البريّة.. ولم تخدش أنامل راعٍ.. ولم تجرح حَيْاء حَدّاء.. يصرُّ على الغناء؛ وهو أجشّ الصّوْتِ والحِسّ..
لا.. لن أرقُص!
فلم أعكّر بِيْار.. ولم أوصد باباً أمام عابر سبيل.. ولم أدنّس يوماً غُبار مسير..
لم أعشق ذاتى؛ لدرجة أشيّد لها سرادق عزاء؛ عند جرح شوكة طريق..!
وفى صلاتى؛ لا أنوى فراقها عَوْدة للدّنيا.. وأتمّها رواح ومناجاة النزع الأخير.. وفى سجودى؛ ألتمسُ الله؛ ألا أموت بداء يتعبنى.. ويقهرُ مَن لى يُحِبّ.. وأُحْرَمُ مِنْ راحة فراق إرهاق وملل ويأس إلى عروج سموات ما لانهاية..
،،،،،
وأتذكّرُ عدم شعورى بالفرحِ يوم تندفعُ..
ويُلقى بك رَمْىّ حَدْف.. وعنف قفز دمّ.. يفيض مابين الفخذين؛ ولادة عُسر.. كتلة مِلْح، وانثيال شعور مُرّ؛ بعد حمل خارج الرحم، وطول طول صَبْر..
حتى وقبيل أن تكتمل؛ تشتمّ نبوءة مَوْت.. مَوْت خارج الرحم..
وفى الظلام؛ تبحثُ عَنْ نهار.. وتتحمّل عبء الأمنيّات المستحيلة وأنت لاتزل تحبو..
تتوضأ.. وتصلّى الفجر.. وتدعو الله أن يهديك إلى مخبأ صغير على حَجْم جسدك النّحيف.. تخفى به أحْزَانك.. أو يرشدك إلى غارٍ.. تتعبّدُ به وأسى أيّامك..
ومِنْ نفسك تسعى خائفاً..
طاغيةٌ هىّ الأيّام؛ حين تَمْنَعك مِنْ الفرارِ لكىّ تموت وحيداً؛ دون أنْ تؤلم أحد..
وفى أوجاعك تتساءل:
العيْشُ والموتُ ضرورة حقّ..
الحيْاة والعذاب فرضُ جَبْر..
لاثعلب غدوت.. ولا أرنب قفزت بعد!
وبأدنى قوت حلالٍ.. وستر أحقر حظيرة.. فقك بالستر تقنع وترضى.. و.. ورضيْت..
ولدى..
أهو الموت فتىٌّ مثلك..؟
يعزف الموسيقى.. وبالحُبّ يحلم.. وحنون على الجميع..
له قُل:
ـ لا.. لن أرقُص..
عن عَمَدٍ؛ أرقص.. ولكننى لا
أبَداً.. أبى لَنْ يَبْكى..
ولَنْ أرقُصُ..
غَصْب عَنْ؛ لن أرقُصُ أبَداً..!
،،،،
كريهةٌ هِىّ رائحةُ نِدَف اللّحمِ.. وهى تأبى هَجْر جَسَدك نَزْف..
لاجدوى..
فى مرار رعشات حُضْنى؛ لا تتعلّق.. ولا تَسْتَجِر.. ولا
لا تأمن لزمنٍ دُفّه ونايْه؛ لا تُبْدع إلا لنعيق غربان..!
خُبزُ ومِلح الدّير.. تمرُ الصّائم الزّاهد.. وشوقُ فجر ليال الشتاء الكئيب لمحياك الجميل.. لا تلحق بخُضرة الأغصان الهاربة.. والورق المتكسّر تحت الأحذيّة..
كُلّ شئ يتناثرُ نحو الأفول..!
وفى نهايْة الأفق؛ حُصانك الأبيضُ يشردُ.. يَبْكى
يَبْكى وهو يترنّح.. لَنْ يصل إلى نهاية مضمار عمر شاب.. ويتمايْل.. لاينحنى ولايركع.. و
وعنوة يشدّهُ السّقوط..!
…..
اترك تعليقا