أحمد الغرباوى يكتب: أحقًا هو أنْتّ..؟

9 مايو 2020

أحَقًّا هو أنْتّ.. أنْتّ مَنْ رَحَلت؟

أكثرُ مِنْ صديق ـ حبيبى ـ كُنْت..

أكثرُ مَنْ ملاك على تُرابٍ زائل وسِرْت..

وحبيبٌ للربّ غَدَوت..

أهو أنْتّ مَلاكُ أرض.. صاحبُ الجسدِ الطاهر وبَرْاء نّفْسِ

أهو أنْتّ؛ وللمَوْتِ أقرب صَيْد تعلّقْت..!

أهو المَوْت؛ يرتدى ثوبًا أشفُّ مِنْ  النّدى.. و.. ولنا بِنْت.. ومنه تحقّقت!

أهو أنْتّ.. حَيْث يصبح لقاؤنا السّكن والودّ.. وللجائع مائدةٌ شبع.. وعنك بحثتُ..

حَيْث الخُبْز الأسمر.. والفاكهة الطازجة.. وفطير جدّتى المنثال منه السمن البلدى.. واللبن الصّافى.. وله أحببنا..  وأحببت..

 وحضورك الطائى العَذْبِ.. وجمعنا كُلّ يومٍ؛ يُصبحُ  فى سِفْرِ الأيّام مُعْتَنْق؛ ولا بُدّ..

ويضيعُ منّا نحنُ.. العابثُ والتائهُ والضّالُ.. ومَنْ أدْمَن ظلالك.. وبالأمس هَدَيْت..

وبحقولٍ.. بعضٌ مِنْ آثار بها غرست وحرثت.. شاسعةٌ ونراها اليوم بلا.. بلا نَبْت..

ونشردُ.. ونتوه.. ونسيْت:

ـ هو أنْتّ مَنْ يحضنّا  وطنًا.. و.. وبيْت!

ونعودُ من المقابر.. يُرَافقنا العطش والمَىّ، وسراب فقد..

فراقٌ ـ حبيبى ـ يسلخُ الضّلوع.. وما اشتكيْت!

أهو أنْتّ حقًا قد رحلت..؟

صباحات الفجر أيْن.. مِنْ أيْن نبدأ المسير.. وأنْتّ النّجم اختفيْت..

وينْكَسِرُ مِحْرابنا الضّوئى.. فلا نهارات ولا مساءات.. ولا نور.. ولا ضياء يفيدُ الأعْمَى.. مُذ ـ لنا  وعنا ـ بَعُدت!

،،،،

أهو أنْتّ ـ حبيبى ـ حقًّا رحلت..؟

فمع من أرحلُ وأسافرُ وأحبّ.. وبأحلامنا نعبرُ السّموات السّبع.. وحلّقنا بما لم يصل إليْه سلطان، ولا صاحب جاه، ولا عبد مال، ولا ساكنى قصور الطين المؤقت، ولا مُمْتَطى راحلة سندباد..

فى حُبّ الله؛ كُنّا كَمَنْ يعشقُ.. وعَنْ عمد؛ يغرقُ؛ فغرقت..

وللدّور السّادس بشركتنا؛ حَيْث ريْاضك أصعدُ.. وبرماد طريق أنثرُ وأعبثُ.. وأفتشُ عن جمالٍ؛ يعبقُ بسحرِ إخلاص.. ويبوحُ بصادقِ حيْاة..

أنّى أهذى يظنّون بى مَسّ.. وعَنْ ورود كانْتّ هنا أعسُّ.. وأتحسّس.. ورود وبساتين، كانت تزهو بها الأطيْارُ.. ويتماوجُ بها الغدير..

حبيبى.. أيْن الثمار؟

وأعودُ والغيْاب.. وغيْمات حُجرتك الفارغة.. وسَوَاد الممرّات.. ويأس الأفراخ الصغيرة مِنْ تعلّم الطيْرانِ.. وحمامتان بجوار سطح مكتبك؛ كنت أنقل لك أخبار حبّهما وهيْامهما بالصورّ.. واليوم حمامة واحدة ـ بعد أن مات وليفها ـ تسألنى:

ـ لم يَعُد أحد يسأل عن أعشاش الطيبين والمُحبّين..؟

حقًا حجرتك الخضراء.. بلا ثمار..

من اغتصب من حاضرنا النّضار..؟

لم يغادرنا الفرح بـ (رمضان).. وكأنه لم يأت وما صار..

أهو أنْت حقّا المُخْتَار..؟

أم هى دنيا دَنيّة.. تعلّمنا حقيقة المتاع الزائل.. لعبة وهزار!

،،،،

حبيبى..

أيْا من ازدان بإلتحافه ثوبُ البَهاء.. ومِنْ بَيْن أجفاننا؛ تلعقُ مِلح البُكاء.. وتخلفنا قيْد مُكَابدة عيْشٍ؛ بآيْات وفاء..

راحَ وَهج الحُبّ.. وناحَ ضحك الطفل البرىء.. ووجعٌ يزكّى نار حُزن.. كُلُّ شئ عاد دونك والجراح.. مُدَثّرة الشّوَارع والأزقة بأشباح وأشباح.. والبهجةّ تتسربلُ بأثوابٍ بَيْضاء.. تُلفّ بأكفان!

كُنت البريق لوجه القمرِ.. ولفيوضات الجود والكرم أخلد أثر..

وكنحلٍ؛ كُنّا نتسابقُ على جَنىّ الرحيق، إذا ما بدروبك عَبَر..

وفي الألمِ؛ كأيْوب كم صَبَر..

ولزفّ بُشْرَى وجنان سماء.. وبعطاء وحَقّ الله ظفر..

وتتركنا..
فى خرس أوتار قيثارات.. مِنْ صمتها إنقطع.. فلِمَ

لم ـ حبيبى ـ استعجلت السّفر..؟

،،،،

وبعيدًا.. بعيدًا عنّى تَمْضى..

تطيرُ وتحلّقُ.. وهلة جميلة من الأحلام فى حياتنا كُنْتّ..

ولم يَعُد لنا غَيْر السّقوط.. والتدحرّج مِنْ (الدّور السّادس).. تدفعنا هزائمنا الحاضرة.. والخروج مِنْ جَنّة الإيواء.. و الطّرد من حصن الملجأ.. وتلقّى العزاء فى شجن الروح ومغادرة الغار..

يومًا ما ربّما نلتقى أيّها الطائر المُغرّد.. ولحفيف الأشجار نحلّقُ.. ونلهو بعذب خمر ولبن أنهر ربّ؛ يعفو ويرحم.. ونتنسّم  فضله وكرمه؛ الذى لا يوصف ولا يُعدُّ.. ولا يُحصى..

وبإذن الله بك نلحقُ ونرتعُ سويًّا.. و

وننجو.. كما من هذى الحيْاة نجوت!

……

  • فى رحيل صديقى (عاطف عباس).. إنسان ولكن ملاك..

أحمد الغرباوى – مصر 

 

 

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :